ملحدوا الفايسبوك

مع وجود 15 مليون مشترك عربي في عالم الفايسبوك و أكثر من 7.5 مليون مشترك دون سن 25 فحتما كل ظاهرة يجب أن تدرس و تعاين من طرف المتخصصين وتقليب الأمور على وجوهها المختلفة قبل أن يسبق السيف العذل.. من بين هذه الظواهر ظاهرة الملحدين العرب الذين خرجوا من صمتهم فكوّنوا مجموعات و عديد الصفحات الفايسبوكية لإثبات وجودهم و الدعوة الصريحة إلى الإلحاد.
عديد الأسئلة تخامرنا كمسلمين: هل فعلا هم بهذا العدد الكبيـــــــر؟ ما أساليبهم في الفايسبوك؟ لم التخوّف من هذه الظاهرة؟


الإشتراك في الفايسبوك هي عملية مجانية و سهلة التطبيق فأي مبحر على الإنترنت يمكن أن يقوم بعشرات البروفيلات بأسماء مستعارة و بالتالي أن تجد عدد دقيق أو نسبة واضحة أمر صعب إن لم نقل مستحيل لكن بتجربة شخصية شاركت في جروب سري تحت عنوان "تجمّع مغلق للعقلاء المناهضين للفكر الظلامي في الفايسبوك" و هو تجمّع يشمل غالب الملحدين العرب ببروفيلاتهم الحقيقية و المفاجئة أن العدد لم يبلغ حتى 400 بروفيل



لكن هذا العدد بشكل أو بآخر كبير خاصّة إذا أضفنا لهم العديد من المهيّئِين للردّة عن الدين. و الحقيقة أن العدد هو مسألة نسبية بالنظر إلى الكيف أي إلى نوعية الملحدين فالتساؤل الحق هل هؤلاء من النخب المثقّفة أم هم بعض الشباب من قرأ بعض الكتب فانتهى به المطاف لإستعراض عضلاته أمام شباب يجهل دينه؟ صحيح في كلا الحالتين الأمر جلل لكن أنا أميل أنّهم بعض الشباب المراهق سنّا و فكرا فلو كان الأمر يخص النّخب الفكرية لما التجؤوا إلى الأسماء المستعارة و لما كان ميدان الفايسبوك ميدان تساؤلهم و طرح رؤاهم . مع خطورة المسألة فشباب اليوم رجال الغد فإنّ المسألة هيّنة لحد ما فهؤلاء يحتاجون إلى تأطير علمي و هيكلة ثقافية تبدأ من النواة الأولى و هي العائلة المصغرة إلى النواة الكبرى و هي المجتمع الحقيقي و المجتمع الإفتراضي فمناهضة هؤلاء بتأطير نفسي و علمي لا بالإقصاء أو التحدي
كون الشباب و خاصة من هم دون 25 سنّة الأكثر تواجدا في الفايسبوك و الأكثر حضور في الجروبات و الصفحات فهذا يعطي الأسباب للعيان دون تكفّل عناء البحث فهؤلاء عوض أن يكون وقتهم مخصص لدراستهم الثانوية أو الجامعية و أوقات فراغهم لممارسة مختلف الهوايات الثقافية و الرياضية نجدهم يقضّون الساعات الطويلة في عالم الفايسبوك كأنّه المدينة الفاضلة التي يريد الكل العيش فيه و الكل يجعلها مسقط رأسه و هو الأحق بها و بالتالي لا هم لهم بالدراسة و لا نشاطات ثقافية أو رياضية حتّى سياسية فبلداننا مع تخلّفها في كل المجالات أنشأت العقلية اللامبالية اليائسة من الأوضاع العربية و التي تريد تجاوز العالم الواقعي إلى عالم إفتراضي يعتبر جنّة شباب الدنيا
و كل متبصّر في حال هؤلاء يدرك و من خلال لحن الخطاب المستعلي أن هؤلاء يشكون ضنك الحياة و أنّهم في ردّة فعل يرونها عقلانة و نراها فوضوية.. فحال مجتمعاتنا المتخلّفة يبني نوعا من الصّد و المعارضة القاسية و يجعل من الشباب يرفضون الوضع و السلوكيات العربية و التي ينسبون مصدرها الرئيسي للدين و بالتالي ردّة الفعل تكون في أساسها على إنكار الدين و محاولة محو أثره و الحقيقة طبعا خلاف ذلك فمجتمعاتنا المتخلّفة في حقيقة الأمر أبعد ما تكون عن التديّن و لا علاقة لها بالعلم الشرعي و السياسة القمعية زادت الطين بلّة لكن هو تحليلهم و وجهة نظرهم فنراهم بلسان فوقي يدّعي التطوّر و الرقي على أساس أنّهم كفروا بمصدر التخلّف و الحقيقة أنّهم تعلّقوا بقشور الغرب و تركوا تحت أقدامهم الفراغ فإن خارت قواهم هوت أجسادهم ... هذا سبب أول

ثاني الأسباب غياب الدروس العلمية في المسائل الدينية في المساجد و المؤسسات التعليمية من العلماء الربّانيين و الشيوخ المربِّين فنجد الشاب لا يعرف عن الدين شيئا تقريبا مهما ادّعى المعرفة، زد على الجهل بالدين جعل الطاعة عادة و ليست عبادة مع تفريغ العبادة من محتواها و ترك الحكم و التّمسّك بالظاهر فيغيب الأثره الإيماني و بالتالي تترك الشاب غارق في بحر تساؤلات تموج به دون إسعاف إجابات مقنعة و تتركه في حالة صراع ذاتي مع سلوكيات (بمفهومنا طاعات) قد يجول في خاطره أنّ تركها خير من القيام بها.. الخواطر الإلحادية تحتل مخيّلة و فكر و تحليل الشاب و لن يحبسها شيء غير العلم الشرعي لكن مع الأسف هذا الشاب لم يكن قد تزوّد قبل. فيقع في شرك الإلحاد و الردّة عن الدين و لم يكن قد عرف دينه قبل مغادرته

ثالث الأسباب و التي لا ننكرها القناعة العلمية بصحّة نظرية التطوّر زد التأثّر الشديد بالعالم المعروف أو كما يحلو للبعض تسميته بنبي الملحدين العرب ريتشارد داوكنز و التعلّق ببعض كتبه ككتاب وهم إله و هنا المشكل الحقيقي فعدد العلماء الملحدين يفوق العدد لدى المؤمنين فيجد الشاب نفسه منقاد وراء ما يطرح فهو مغطّى بستر مقدّس ألا و هو ستر العلم.. هنا المسؤولية تتحمّلها مدارسنا و التي عجزت عن تقديم أي إظافات علمية و على بلداننا التي تركت صناعة العقول و استثمار البشر إلى الإستثمار في الحجر..فمثلا سؤال يطرحه كل مسلم من غير هارون يحي في مجال الرد على نظرية التطوّر؟ أين الإكتشافات العلمية الإسلامية؟ متى سيتوقّف البعض عن لوي عنق الأدّلة القرآنية لإخراجها عن معناها لتطويعا لقضية علمية قد تكون غير مثبتة بعد؟
هذه بعض الأسباب التي أدت بالشباب إلى ظاهرة الإلحاد ولنا الآن أن نذكر أساليب هؤلاء  في التلاعب بعقول الشباب المسلم

أساليب هؤلاء الملحدين الفايسبوكيين هي لا تخرج عمّا سنذكره بحول الله تعالى لكن الغريب أنّ كل بروفيل يمسك طرفا من الخيط و يركّز على أسلوب معيّن دون أي مسألة أخرى و لا تجمع هذه البروفيلات غير غاية سلب المسلم إيمانه و الترغيب في الإلحاد

أوّل الأساليب ؛ مهاجمة الدين
خاصّة مهاجمة الإسلام و شخص النبي صلّى الله عليه و سلّم و إثارة الشبهات القديمة الجديدة و التي أثارها المستشرقون و أثارها البعض من دعاة العلم و يقدّمونها على أساس أنّها زبدة تحليلهم و ترك المصادر الحقيقة ..كغيري و بمجرّد بحث بسيط تجد الشبهة أثيرت في عهد سلف و قد ردّ عليها فبعض الشبه ردّ عليها بمتون علمية و بكتب المؤسف أن شباب اليوم يجهل عناوينها فضلا عن محتواها بل يجهل كاتبها فلا يعرف عن ذاك العالم شيء.. في حال الرد و بالإستناد على أقوال علماء السلف رحمهم الله تعالى الملحد أمام سبيلين لا ثالث لهما أوّلها المراوغة فبمجرّد الرد على شبهة حتى يفتح المسألة إلى شبهة أخرى مدّعيا أنّه لم يقتنع بالرد و أن الشبه أكثر من العد و إذا حوصر من كل جانب عاد لذات الشبهة الأولى بذات الأسئلة و كأنّك لم ترد فتقع معه في سلسلة مفرغة أشبه بإهدار الوقت من أي أمر آخر ...
أما السبيل الثاني الإدّعاء بعقلانيته و أنّ الرّاد على الشبهة لا يعتمد لا المنطق و لا العقل في ردوده و إنّما في النقل و يتناسى الملحد أنّه هو نفسه نقل الشبه نقلا و لم ينتج شيئا و أنّ المنطق يقول أنّ الشبهة أمام أي نص ترد بمنطق واحد و المنطق أمر ثابت لا يتغيّر و إن اختلف عقل الأمس عن عقل اليوم لكن في الأمس ما الذي جعل الآخر يصرّح بإقتناعه و يعتمد عقل اليوم على مذارات الحقيقة؟..

ملامتي فقط على المسلم المتخاذل عن البحث وعن تفسير مقاصد الشريعة على الطريقة التي نص عليها القرآن الكريم وأمرنا بها في وله تعالى ؛ ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، حيث أنه يتعمد طريقة الاستفزاز وطريقة السب والشتم و"شخصنة" الردود ويترك الرد على الشبهة ويتجه نحو هذه الأفعال التي تهب الملحد قناعا مزيفا عن حقيقة حسب أنه امتلكها وظفر بها من كل الوجوه، إذ أن هذا الأخير هدفه نقل شبهة قد قرأها في منتدى الحادي ويكتفي بوضعها في إحدى الصفحات التي غالبا ما تكون ذات أغلبية مسلمة فتنهال ردود السب والشتم من "المتأسلمين" الذين خالفوا أبسط القواعد وأبسط أوامر دينهم ألا وهي الأخلاق فلم يبقى من إسلامهم إلا اسمه . هنا الملحد لا يضيّع الفرصة لتشويه صورة المسلميـــن بصفة عامة على أنّهم أشخاص همجيين تحكمهم مشاعرهم لا عقل و لا حجة و لا أخلاق لهم ولا يتوانى لحظة عن نسبة هذه الأفعال لدين الإسلام وديننا منها براء. قد يظن البعض أن سبب هذا هو "علم الملحد" ، كلا ليس علما ، إنما هو علم مصطنع من مجرد مقال بسيط قرأه ويقينا لو أجاب المسلم على هذه الشبهة بالمنطق سرعان ما ينقل الملحد شبهة أخرى يقتنصها من أول منتدى ومن أول مقال يجده.
وفي الحقيقة سبب هذه الأنواع من ردود المسلمين هو قلة إطلاع المسلم على دينه ، فلو كان مطلعا بدينه على الوجه الذي ينبغي لكان أحد الأمرين ، فإما أن يرد على الشبهة بالمنطق ويفحم الملحد وإما أن يقول في كل وقــــــار "الله أعلم ، سأحاول البحث" وما أجملها من كلمة وما أحلى المعاني التي تحويها ، فمحال أن نعتبر قائلها جاهلا إنما هو العلم الذي امتزج معناه بالتواضع وحب البحث والذود عن الإسلام فلله در من يقولها. طبعا لا أعمم على كل الناس إنما أتكلم بصفة عامة ، فيوجد من المسلمين من يذودون عن دينهم في كل حين جاعلين من كتاب الله منهجا لهم وجاعلين أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ديدنهم ، كما يوجد من الملحدين من يسعى للبحث عن الحقيقة ومن يريد أن يسأل للتعلم ، إنما تكلمت بصفة عامة وفي ظل ما أراه هنا وهناك من ردود أفعال من المسلمين ومن الملحدين على حد سواء


ثاني الأساليب ؛ إثارة قضية المرأة من جوانبها المتعددة
 هنا يدعي الكثير أن الإسلام هضم حق المرأة و أن النساء عاشت في الإسلام في جو الضيم و أن قيم العفّة و الحياء التي ينادي بها الدين هي عبارة عن سجن يسلب المرأة حقّها و عبارة عن أفكار عفى عليها الزمن و أن الحياء ما هو إلا قناع لظلم المرأة في كون سلبها حقّها في حريّة جسدها و التمتّع بجسد هو في نظر الملحد هبة الطبيعة ... الغرابة في الأمر أن غالب المنادين بتحرر المرأة أو الإنحلال أو مهما كان المسمّى ..غالب المنادين هم من الجنس الخشن و هذا يطرح ألف سؤال أوّلها هل هؤلاء أغير على حقوق المرأة من المرأة نفسها؟ غريـــــــب..المشكل الفريسة السهلة هي اللواتي تعرّضنا للقمع من طرف العائلة أو الزوج أو المجتمع فنحن لا ننكر الظوالم اليت في مجتمعاتنا لكن توجيه إصبع الإتهام إلى الدين دون أي طرف آخر هذا حكم قاسي و البحث عن الحل في أمثلة غربية تعاني من مشاكل أكبر من التي عندنا ضرب من الجنون .. هنا الملحد يعتمد على آليات بسيطة إثارت بعض الشبه القديمة كزواج النبي صلى الله عليه و سلّم من أمنا عائشة رضوان الله عليها و طلاقه من أم المؤمنين سودة رضوان الله عليها و سماح الإسلام بالتعدد و أيضا عرضهم لقصص قاسية من المجتمعات الإسلامية تنقل من الصحافة العالمية و أخيرا و ليس آخرا عرض الصور الإباحية و التغنّي بجسد المرأة و لا داعي لتفصيل فالأمر جلي..و المضحك السذاجة في الطرح فالشبه مردود عليها بحول الله تعالى و دعوتهم لتحرر جسد المرأة هذا إن لم يقبله الدين فإن المجتمعات العربية و الأمازيغية لا تقبله بطبيعتها و تغيير الأمور 180 درجة لا يكون بهذه الطريقة أبدا و لا يجب التعامل مع المرأة على أنّها كائن ساذج فحتى بطبيعتها هي ترفض تلك الإباحية و اإثارة الغريزية لأصحاب العقول الشهوانية

ثالث الأساليب؛ إلصاق صفة العقلانية لذواتهم
و هذه هي ميزة ملحدي الفايسبوك نظرتهم الفوقية و الحرص على نسب صفتين هي فخرهم و دينهم و ديدنهم : العقل و الحرّية.. تبدأ المسألة من أسماء البروفيلات فغالبها تركّز على هذا المعنى إلى أن نصل إلى تعليقاتهم التي تسخر من كلام المسلمين و تنزع عنهم صفة العقل فهي في نظر الملحد صفة خاصّة به و غير محروم منها مع أنّ هذا من المضحكات المبكيات فهذا خطاب عنصري لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الحقيقة .. كما يركّزون كون الدين يهتم بكل أمور المسلم و على أن الإيمان يجعل للفكر حدودا تغيب معها كل معاني الحرّية و يتناسى الملحد أنّه ينادي بالأفكار العلمانية التي تأسس إلى قوانين وضعية تحد العمل و بالتالي تحد الحرية و يتناسى أن المسلم أو المؤمن عموما يذر الفوضى الفكرية و الإيمان من باب التنظيم المنهجي الذي يخلّف الإنتاج لا الفوضى التي لا تخلّف غير الفوضى و ذاك تكريم و أن تحديد الأعمال بالتشريعات أوّلها ترك للفوضى و ثانيها جعل العمل لغاية محددة و هدف واضح و هذا بالمنطق لا حرج فيه

رابع الأساليب ؛ اللجوء إلى نظرية التطور
غير معتمدة كثيرا و هي عرض مقالات و شرائط وثائقية تقوّي حجّة التطوريين و ضعف تواجد هذا الأسلوب مردّه أن العديد من ملحدي الفايسبوك غير ملمّين و لا علم لهم بهذا المبحث العلمي و لسبب آخر أنّها لا تجد أثر عند المؤمن الفايسبوكي فلا السن و لا علمه يخوّل له الولوج بحر هذه القضايا فيعزف عنها الملحد و المسلم على حد السوء
هنا وجب التنبيه إلى شيء مهم ؛ وهو كون بعض الملحدين إن لم أقل الكثير يؤمنون بكون نظرية التطور أصبحت حقيقة علمية منذ سنة 2005 و هذا محض كذب يلتجئ إليه البعض لا دليل علمي عليه و لازالت النظرية نظرية و لم ترتقي إلى مستوى الحقيقة العلمية بع و لن ترتقي


أما عن التخوّف من الملحدين في نظري أمر غير مبرر و إنّما يجب الخوف على الملحدين فهؤلاء فتنوا في دينهم و المسؤولية مشتركة و يجب على الكل تحمّل المسؤولية و الوعي بأهمّية كل طرف في رد هؤلاء و إيقاف المد الإلحادي في صفوف الشباب المسلّم في زمن غربة الدين تغرّب عن الدين.. التجربة الإلحادية في العالم العربي ليست بالحديثة و أقرب التجارب القناعة بالطرح الشيوعي في القرن الماضي و انتهى المطاف بالكثير للعودة إلى الإسلام لكن سلاح الأمس غير سلاح اليوم و ظروف الأمس ليست هي ظروف اليوم فاليوم كل الظروف ضدّنا فالإعلام و التعليم و و و تجعل من الأمور معقّدة بعض الشيء فنحن اليوم نحتاج مفكّرين يعتمدون التجديد في الخطاب الديني و نحتاج علماء من طينة بشير التركي و محمد أوسط العيّاري و غيرهم يضيفون إلى الساحة العلمية العالمية و يكنونون منارةكلشخصيات علمية و متديّنة


مع تحيات صفحة ؛ الرد الصارخ على الشبهات