من الأدلة الصريحة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم تلك الأدلة الغيبية التي تنبؤنا بحسن خاتمة المؤمن أو بسوء خاتمة المشرك فتجد القرآن الكريم والسنة صريحين في إثبات ذلك دون تردد أو ريب في الأمر منادية على الثقلين أن تفكروا في القرآن وتدبروا فإن هذا كلام الله تعالى لا يفتريه الثقلين فإن هو إلا وحي يوحى ونجد من الأمثلة على هذا الإعجاز الكثير في القرآن والسنة ، ولنبدأ بتعريف بسيط للغيب : ماهية الغيب هو ما خفى عن الإنسان أو غيره من الأخبار والأشخاص وهو السر وفيه قال تعالى بسورة الفرقان : قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
إن التنبؤ بالغيب في القرآن والسنة لم يقتصر على شخص أو شخصين بل تعدى ذلك ليصل إلى عشرات الأشخاص بل مئات ولعمري إن العاقل اللبيب لا يبني حجته على الافتراض والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ولا يجعل من دين مثّل أساسا لحياة قوم ومنهاجا لآلاف الأشخاص حينها في احتمال مهب الريح وقلعه من جذوره إذا ما أخطئ التنبؤ وفي احتمال للرد والطعن فيه فضلا أن الشخص بمقدوره أن يتجنب كل هذه الاحتمالات وكل هذه الشكوك فيبني على اليقين وسأعرض العديد من أمثلة في هذا البحث تمثل دليلا صارخا وحجة دامغة في تأكيد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
الخبر الأول :
بعد أن ذاع خبر استماع الوليد بن المغيرة للقرآن وشاع خبر أن قلبه رق لكلام الله تعالى ولامس الاسلام فؤاده لم تتوانى قريش في تنفيذ واجبها مصداقا لقوله : "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ" فهرعوا إليه سراعا ، فقال له أبو جهل: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوه لك فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله ، قال : قد علمت قريش أني من أكثر مالا ، قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر أو أنك كاره له ، قال : وماذا أقول ؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني ولا بشاعر الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلوا وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته ، قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ، قال فدعني حتى أفكر ، ففكر ، فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره ، فنزلت : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَ ّأَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (أخرج الحاكم وصححه والبيهقي)
مات الوليد بن المغيرة كافرا على غير دين الاسلام وصدق بذلك قول الله تعالى : سأصليه سقر ، فلنفرض جدلا أن الوليد بن المغيرة دخل الإسلام ، ولو على غير اقتناع ، ليكون هدفه هو هدم الإسلام بأن يبين للناس أن القرآن هو كلام محمد ، صلى الله عليه وسلم ، لكن كل ذلك لم يحصل وفعلا فإن الوليد بن المغيرة لم يدخل في الاسلام لا طائعا ولا مكرها ولا نفاقا للطعن في الإسلام فقد علمنا أن الذي قال هذا الكلام ما قاله إلا لحكمة وما قاله إلا لأنه يعلم خاتمة الوليد وأنه سيموت على غير دين الإسلام فبشره بالذي يسوؤه قبل موته ، فنسأل الله حسن الخاتمة
الخبر الثاني :
واقعة أخرى تشبه واقعة الوليد بن المغيرة نجدها ماثلة في حال اثنين من المشركين هما أبو لهب وزوجته فقد نزلت فيهما سورة المسد ، فأعلمتنا أنهما سيموتان على كفر وأنهما سيصلى نارا ذات لهب فقد قال تعالى : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ
والأسئلة ذاتها نعيدها في حال أبو لهب وزوجته ، لم يسلما لكن لماذا ؟ إن إسلام أمثال هؤلاء ولو مراءا للناس سيعرض الرسالة الاسلامية للتكذيب ، فقد كانت السنين أمام هؤلاء ليعتنقوا الإسلام مثلما اعتنقه آخرون من المشركين الذين نكلوا بالمسلمين وكانوا من أشد الأعداء للإسلام والمسلمين من أمثال وحشي وخالد بن الوليد وهند وغيرهم كثيــــر ، لكن نجد هؤلاء الذين تنبأ فيهم القرآن لم يؤمنوا ولم يدخلوا في الإسلام حتى لقوا الله وهم على الشرك فحق فيهم قول الله تعالى ، فكيف يقول الله لأحدهم أنه سيصليه سقر وهو مؤمن ؟ وكيف يقول سيصلى نارا ذات لهب وهو مؤمن ؟ إن هذه النقطة تستوجب منا الاهتمام وأن نمعن النظر فيها لأنها من الأهمية بمكان : لماذا لم يخطئ تنبؤ القرآن الكريم ؟ أم أنك تعتقد أنها الصدفة ؟ ... لا بئس أزيدك من الأمثلة
الخبر الثالث :
المثال الثالث هو العشرة المبشرون بالجنة والذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه بالجنة وبحسن الخاتمة فماتوا على إيمان وطاعة ولم يبدلوا دينهم ولم ينتكسوا ويردوا على أعقابهم بعد أن هداهم الله "فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة (الراوي عبد الرحمان ابن عوف ، المحدث العسقلاني –حسن)
إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبر بهذا الخبر إلا لأنه متأكد تماما مما أنزل عليه فهو يعلم أن ما ينطقه إن هو إلا وحي يوحى وهذا الوحي ممن يعلم الغيب ويعلم ما كان وما يكون وما سيكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون. والسؤال لكل ملحد ، لماذا لم يتورع محمد ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن مثل هذه الأخبار ان لم يكن صادقا ؟ وحاشاه ، ، فإن هذا دليل ساطع لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الخبر الرابع :
أما الدليل الرابع والأخير الذي سأذكره فهو دليل أكثر جلاءا مما ذكر قبل وأكثر وضوحا وتبيانا ، إن عدد هؤلاء الذين تنبأ بصدقهم نبي الله صلى الله عليه وسلم تعدى الثلاثمئة ، ثلاثمئة رجل ولم يتوانا الرسول للحظة عن التصريح بهذه الشهادة التي أنبأه الله بها من فوق سبع سماوات ، فقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحاب غزوة بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان .
قال عبد الله ابن عباس : سمعت عمر بن الخطاب ، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى مكة ، فأطلع الله عليه نبيه ، فبعث عليا والزبير في إثر الكتاب ، فأدركا المرأة على بعير فاستخرجاه من قرن من قرونها . وما قال لهما نبي الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فأرسل إلى حاطب فقال يا حاطب أنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال ما حملك على ذلك ؟قال : والله إني لناصح لله ورسوله ولكن كنت غريبا في أهل مكة ، وكان أهلي بين ظهرانيهم فخفت عليهم فكتبت كتابا لا يضر الله ورسوله شيئا, وعسى أن يكون فيه منفعة لأهلي, فقال عمر : فاخترطت سيفي فقلت : يا رسول الله مكني من حاطب فإنه قد كفر فأضرب عنقه, فقال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : يا ابن الخطاب وما يدريك لعل الله اطلع على أهل العصابة من أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم.
الراوي : عبد الله ابن عباس ، المصدر : الصحيح المسند ، خلاصة الحديث: حسن
أمثلة أخرى :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
وقال لثابت بن قيس : إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ،وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
شهادته لبلال : إِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ فِي الْجَنَّةِ
والأمثلة كثيـــرة
فهذه بعض الأمثلة ممن أخبرنا الله تعالى بخاتمته فكان الخبر كالمعاينة ولو قلبنا السنة النبوية لوجدنا الكثير من مثل هذه الأخبار التي تدل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهل يعقل أن تكون هذه الأنباء مجرد صدفة ؟؟
مع تحيات صفحة ؛ الرد الصارخ على الشبهات