المسلمون والتبعية العمياء


في عالم عربي جامعاته في مذيلة الترتيب العالمي و مكاتبه تعاني الهجران الإنتاج الفكري و العلمي يعد ضربا من الخيال و لذلك عيون الشاب العربي لا يحيد بصرها عن العالم الغربي الذي ضرب بأطنابه في الحداثة و التطوّر و التقدّم... الصورة العامة و التي سوّقت بيننا أن الإنتاج الفكري الغربي و التقدّم العلمي مرّ بخطوة إلغاء المعطى الديني و النصوص المقدّسة و تكريس الإلحاد لبلوغ المرام.

الحقيقة كل متأمّل في التاريخ الفلسفي للخطوات الأولى للحضارة الغربية يدرك أن التصور كان أبعد ما يكون عن الإلحاد فالنظرة الديكارتية أو السبينوزية أو الوضعية أو أو ... فجميــــعها إمّا كان على اعتراف بوجود إله أو كانت كل مدرسة تجمع المؤمن و الملحد على حد السواء.. فمثلا: الفلسفة الوجودية كما كان من أبرز أسماءها جون بول سارتر الملحد كان أيضا سورين كيركغارد النصراني... لم يكن الأمر على خلاف كبير في الفكر السياسي و الذي لم ينبذ الدين بكليّته و إنّما حاول عزله عن السياسة على خلفية استبداد الكنيسة من جهة و خلو الكتاب المقدّس من فكر سياسي واضح المعالم و من تجربة مثالية تبنى عليها التصورات الحديثة
و مهما تعددت مجالات الدرس سنجد الدين و مسألة وجود الإله مطروحة و لها أثرها العميق و هذا ما جعل المجتمعات الغربية و مع تقدّمها لم تتخلّى عن إيمانها بوجود إله بل و وجود حد هام من التديّن و الكثير تخلّى عن الإنتماء للكنيسة في أوروبا لغاية العفو الضريبي فمثلا في ألمانيا عشرة بالمائة من دخل الفرد النصراني تعود إلى الكنيسة و لكنه لم يتخلّى في قرارة نفسه عن الإيمان بأن لهذا الكون خالق عظيم ... الحداثة الغربية قامت في علومها على إنشاء الجامعات و تشجيع البحث العلمي.. و جعلت مجتمعها مزيج من ترابط المصالح السياسية و الإقتصادية و تضبطها القوانين الصارمة و هذا المكوّن الإجتماعي حاول صقل ثقافته بالإعتماد أساسا على الفنون و التي كانت تحمل الرسالة من النّخبة إلى العوام و تحديد الضوابط عبر ثنائية الخير و الشر (تحديد الخير من الشر اعتمد على النّظرة الدينية في جانب هام) ... الشاهد أن الغرب و مع أنّهم لم يتخلّو عن الدين بكليته حاولوا إنشاء البديل و التصور الإنساني للأمور لكن هذه الحداثة لم تمنع من كون المجتمع الغربي هو مجتمع أجوف تجعل من العلاقات البشرية جوفاء و إن أعطت الغربي رفاهة المعيشة سلبته إنسانيته و كانت الآدمية المبحث الذي دفع العديـــــــد من الغربيين إلى إعتناق الإسلام أو أديان وجدوا فيها ظالتهم... فالدين فضلا عن كونه جالبا لسعادة و الراحة النفسية و الإجتماعية كما يروّج البعض فهو هيكل اخلاقي و معاملاتي هام و بالأساس هو منهج فكري دقيق و خاصة في الإسلام و بالتّالي هو يقدّم مجموع الآليات لبناء حداثة أي مجتمع لكن يحتاج حنكة العمل بهذه الآليات
من أسمى أهداف الإسلام بناء الشخصية المسلمة من كل الجوانب و خــــــاصة الجانب الأخلاقي و هذا يتجلّى في قوله صلّى الله عليه و سلّم: إنما بعثت لإتمّم مكارم الاخلاق.. فبناها على ثنائية الخير و الشر و ثنائية الجزاء و العقاب و ثنائية السبب و الأثر و ثنائية الإحسان في البعد الديني و البعد الدنيوي و كل هذه المعالم تكون ملزمة لأنها في النظرة الدينية هي الميزة الأساسية عن باقي مخلوقات الطبيعة و التفوق على باقي المخلوقات خلاف النظرة الإلحادية التي تجعل من الإنسان مجرّد مادة و بالتالي تسفيه المكوّن الأخلاقي و ضبطه بقانون مدني و جزائي تناقض مع النظرة في مرتبة أولى و يفقد مالتأثير الحقيقي في المقام الثاني
الجدير بالذكر هنا أن هذه النقطة هي الخطوة الأولى و الركيزة الأساسية في بناء مجتمع متكامل فالأخلاق أساس المعاملة و الإطار الذي ينضوي في ظلّه مجموع العلاقات البشرية و الإسلام أعطى هذا الجانب قدرا هاما فلم يترك شاردة و لا واردة فاعتنى بالعلاقات الأسرية و علاقة الأجوار و العلاقات المهنية ..إلخ و الهام في المسألة أنّك تجد ثنائية الطرح النّظري أي الهيكلة المسطورة و تجد الطرح العملي و ذلك نلمسه في السنّة النبوية المطهرة و في سيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم و أهم ما في المعاملة أو العنوان الكبيـــــر و الذي إن طبّق حل الإشكال هي آية معجزة جمعت مسألة المعاملة في صورة واقعية تحليلية بسيطة و جعلت اللإشكال مسألة عقلية فقد قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، أساس المعاملة هي منطلق العناية بالذّات أو بالأنا و من ثم الدعوة للبر بأساس علمي (مسبوقة بالعمل و قد قلنا العناية بالذات) و كل هذا يحتاج عقلا واعيا و الغرب اعتمد على عقله فأدرك شيئا من المأمول و ضّع لب .المسألة
أساس الفكر الإسلامي هو الإعتدال فالإفراط أو التفريط هو ما يفسد الفضيلة و الموازنة و المقاربة حدّدها الشرع بطابعه المقدّس خلاف النظرة الإلحادية و التي تفرط في المادية و تفرّط في المقوّمات الأخلاقية و هذا ما حاول الغرب تجنّبها عبثا بقوانينهم الوضعية و كما قلنا سابقا فحتى التقدّم و التطور الذي هم عليه لا يمنع الفساد الأخلاقي و المجتمع المفكك و الذي يجعل من هذه الحداثة لا تبلغ قيمة الحضارة المثالية أو بالممتدّة فالكل يعلم أنّها آيلة لسقوط خاصة و إلى يومنا هذا و مع عجزها عن وجود تعريفات واضحة للأشياء جعلت منها تسقط في فخ إزدواجية المعايير فهي تنادي بالمبدأ و تقوم بنقيضه كالحرية و المساواة و غيرها
كل هذا لأقول أن الصفحة لا تقبل على ظهرها إلا رسما واحدا فالعالم الغربي و بحداثته كانت له ظروف عرف كيف يتأقلم معها و نجاحه لم يكن يرتبط بالإيمان أو بالإلحاد و إنّما بالذات البشرية التي آمن بها الغرب ... المثال الغربي هو للغرب فقط و يقتبس منه دون التبعية العمياء فنحن عندنا القرآن الذي ما ترك مجالا إلا و قنّنه و أعطي الحلول و البدائل فنحن نحتاج إلى إعمال عقولنا على تكييف هذه النّصوص مع واقعنا المعيش ... فالإنتاج الغربي إحتاج إلى إيجاد الهيكلة الفكرية و البديل الأخلاقي و إن لم ينجح فيها فاستغل الظروف الطبيعية و القدرات العلمية على تغطية النّقص الأخلاقي بتقدّمه الإقتصادي و لكن نحن نمتلك تلكم الهيكلة و في أمسّ الحاجة للمنتج و لن يفيدنا اليوم من شغل نفسه بالنظر في جمال الصورة الغربية و لا من يبحث عن عيوبها بقدر ما سيفيدنا من يدير الصفحة و يرسم صورة الحداثة الإسلامية