أزمة الكتاب في مجتمعاتنا العربية

أزمة الكتاب في مجتمعاتنا العربية !! هل هي مجرد "أزمة" ؟؟ ومن المسؤول، الكتّاب أو القرّاء ؟؟ والأهم، أين نحن من هدي الإسلام ؟؟
هي ليست أزمة طارئة أو مشكلة عابرة بل هي داء بث جذوره في مجتمعاتنا العربية وانتشر حتى استفحل والأدهى من هذا أننا لم نضع الإشكال تحت الدراسة بعد ولم نبادر مسارعين لإدراك تدهور الثقافة في مجتمعاتنا، فقد اقتصرت في أيامنا هذه على الغناء والرقص والرياضة !!
هي ليست قضية فرد إنما هي قضية مجتمع بأكمله يحتاج لتأطير شامل وعمل دءوب حتى نستطيع أن نتكلم في ما بعد عن اللحاق بالدول المتقدمة وكيف سنلحق بهم وقد فشا الجهل فينا حتى عم وطم. إن المشكلة عميقة وضربت بأطنابها في جميع المجالات دون استثناء فهي أزمة في كتّاب مبدعين يهيمنوا على الساحة الثقافية ويسطروا أسمائهم في الصفحات الأولى من عقل المواطن العربي قبل أن يشغلها الفنانين واللاعبين والممثلين !! وهي أيضا أزمة قرّاء فلا تعتقد، أيضا القارئ الكريم، أنك مجرد "ضحية" فغياب أسماء مجددة مبدعة لها مؤلفات قيمة وأبحاث مفيدة (رغم أن الأسماء موجودة في ساحتنا العربية – رغم قلتها – كما أنها لا تحظى بحقها في الشهرة) لا يعني غياب مؤلفين عن الساحة العالمية، وهي أيضا أزمة إعلام ونشر حيث أن الإعلام والتفاهة صاروا عندي سيان فهما مصطلحان لشيء واحد في بلداننا ، أما النشر والتوزيع فقد تحدث فيه السيد بشير بن سلامة (وزير الثقافة السابق في تونس) وبين  أن المشكلة تكمن في قلة إصدار الكتب مشيرا إلى الانخفاض في عدد النسخ المطبوعة للكتاب الواحد مقارنة بالسبعينات والثمانينات حيث أشار ، والكاتب العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي أيضا أشار لنفس النقطة، إلى أن العدد انخفض من ثلاثة آلاف نسخة (للكتاب) إلى خمسمائة نسخة فقط خلال السنوات الأخيرة (في تونس) وهذا تدهور خطير ومفزع يحتاج لمراجعة حسابات (1) ، أما "مصيبة" الترجمة !! فلا أعرف عما أتكلم ؟! هل أتحدث عن الكتب المترجمة المفقودة والنادرة أم أتحدث عن تلقين العلوم في بلداننا العربية بلغات أجنبية في حين أن الكيان الصهيوني يدرس كل العلوم بلغته !! مما نستنتجه من خلال واقعنا المعاصر أن التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين ان لم تفدك فحتما ستضرك:


من المدهش أن نجد بعض الناس ممن لم يقرأ أي كتاب وله مع الجهل صداقة وفية ورضاء تام به أن يردد ساخرا "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!!" فرجاءا لننظر لأنفسنا قبل النظر لغيرنا، ولنغير حالنا أولا فلا ينبغي أن نبصر القشة في عين غيرنا في حين أن الخشبة في أعيننا ولا نبصرها !! على كل هذا غيض من فيض وقليل من مشاكل متعددة وكثيرة مثلت عائقا أمام تقدمنا وتطورنا وبعد ذكرها أحببت أن اذكر بموقف الإسلام من طلب العلم، ولا شك أن أبسط الوسائل لطلب العلم، ولا أغلوا إن قلت أهمها، هي الكتاب، فما هو موقف الإسلام من طلب العلم ؟؟
((والعلم في الإسلام يسبق العمل , فلا عمل إلا بعلم كما قال سبحانه : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) محمد/19 ... وتنويهاً بمقام العلم والعلماء استشهد الله العلماء على وحدانيته فقال سبحانه : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) آل عمران/18. ومعرفة الله وخشيته تتم بمعرفة آياته ومخلوقاته والعلماء هم الذين يعلمون ذلك ولذلك أثنى الله عليه بقوله : ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء ) فاطر/28 ... وللعلماء في الإسلام منزلة شريفة تعلو من سواهم في الدنيا والآخرة قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) المجادلة/11)) (2)
ومما يشحذ الهمم ويسموا بعزيمة المرء ذكر أخبار أئمتنا العظام وحالهم في طلب العلم، فماهي أخبار أئمتنا هذا ؟؟
((جاء في روضة المحبين للإمام ابن القيم:"حدثنا شيخنا - يعني ابن تيمية- قال: ابتدئني مرض فقال لي الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض فقلت له: لا أصبر على ذلك, وأنا أحاكمك إلى علمك أليست النفس إذا فرحت وسرت وقويت الطبيعة فدفعت المرض؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تسر بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحة فقال: هذا خارج عن علاجنا!! ".إهــ
أما ما ورد في حرصهم على استغلال الوقت فالعجب العجاب فقد ذكر في كتاب الفنون أن ابن عقبل قال متحدثا عن نفسه:"أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي حتى أختار لنفسي سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ, توفرا على المطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها فيه".إهــ
وقال الجاحظ في الحيوان (اسم كتابه): "سمعت حسن اللؤلئي يقول: "غبرت 40 عاما ما قلت ولا بت إلا والكتاب موضوع على صدري" إهــ
وقد ذكر أن زوجة الزبير بن أبي بكر قالت: والله لهذه الكتب أشد علي من 3 ضرائر (3 زوجات).
وكأني بقائل يقول: تلك أمة قد خلت, وجيل ذهب فهل لك في أمثلة قريبة من عصرنا الحاضر... فأذكر الشيخ علي الطنطاوي الذي قال: "أنا اليوم وأنا بالأمس كما كنت في الصغر أمضي يومي أكثره في الدار أقرأ وربما مر علي يوم أقرأ فيه 300 مئة صفحة ومعدل قراءتي 100 صفحة من سنة 1340 هـ إلى هذه السنة 1402هـ ." إهـ
كما جاء في قراءة المطولات في مجالس معدودات أقوال من أجلها حديث إكمال صحيح البخاري في 3 مجالس 2 منها في ليلتين كان يبتدئهما عند صلاة المغرب ويقطع عند صلاة الفجر و الثالث كله في القراءة.
ورغم أنه قرأها في 3 مجالس رغم طولها فإنه مع ذلك التزم بشرحها وتدبر معانيها حيث إنه قرأها على شيخه ومعه طلاب علم آخرين. وذاك الشيخ ابن الجوزي رحمه الله يذكر أنه قرأ أكثر من 20.000 مجلد !!)) (3)
(2) من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري
(3) أخبار وردت في كتيّب المشوق لطلب العلم - بتصرف