حديث اشتكت النار إلى ربها


 الشبهة :
تفسير محمد (صلى الله عليه وسلم) لظاهرة تعاقب الفصول
اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : رب أكل بعضي بعضا ، فأذن لي بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فأشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 3260 خلاصة الدرجة [صحيح]
شرح مبسط :
اشتكت النار الى الله ان حرهاً شديد وانها تريد ان تنفس عن بعض ما لديها من حرارة, فسمح لها الله ان يكون لها نفسان كل سنة, وهذان النفسان يسببان حر الصيف وبرد الشتاء.
التفسير العلمي الصحيح:
 للظاهرة حدوث الفصول هو نتيجة لميل محور الأرض أثناء دورانها حول الشمس فتختلف زاوية سقوط أشعة الشمس على المكان الواحد من الأرض بين شهر وآخر، ويتبع ذلك اختلاف درجات الحرارة والأحوال المناخية من شهر إلى شهر.

الرد على الشبهة :
لنقسم الحديث على مقطعين اثنين ، يكون المقطع الأول هو الإخباري الغيبي والمقطع الثاني هو الإخباري التفسيري (كما زعموا)
المقطع الأول : "اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : رب أكل بعضي بعضا ، فأذن لي بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف "
هذا الجزء لا يختلف فيه اثنان أنه لا يتضمن على أي شبهة أو أي مخالفة للواقع إذ أنه يتحدث عن خبر وعن أمر غيبي قد حصل فيه استئذان من قبل النار وإذن من المولى عز وجل ، ونعلم أن علم الغيب ليس مجالا للخوض فيه بمداركنا في الدنيا ولا ينبغي أن نحكم عليه قوانيننا التي نعلمها في حياتنا هذه ، إنما هو عالم آخر لا تتحكم فيه القواعد الفيزيائية التي ظهرت مع الانفجار الكبير !! فالأسئلة من قبيل : هل تتكلم النار ؟! ، هل النار تحس ؟! إلخ ... ليس لها أساس صحيح إذ أنها تطرقت لعلم الغيب وتقيس عالم آخر بعالمنا الحاضر وتحكّم عليه قوانين غير قوانينه فهذا البيان مما يدرك عن طريق العقل قبل أن ندركه عن طريق الشرع. وهذا المنطلق هو المنطلق ذاته لإثبات إمكانية الإحياء بعد الموت وتقبل العقل لهذا المنطق فإن المؤمن يؤمن أن الله تعالى سيحييه تارة أخرى وهذا أيضا من علم الغيب فهي تذكرنا بالمسألة الأولى، فهما مسألتان متطابقتان تماما ويثبت الله عز وجل هذا الأمر بقوله : "أوَلَمْ يَرَ الْإنْسَانُ أنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ"  وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى مجيبا من سأل عن البعث فقال:
"أجابه الله بهذه الحجج :
 
الحجة الأولى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأهَا أوَّلَ مَرَّةٍ الذي أنشأ خلق الإنسان، بدأ خلقه من سلالة من طين، ثم جعل نسله من نطفة، جعل نسله من سلالة من ماء مهين، أي: من هذا المني الذي يقذف في الرحم، ويتكون منه خلقه، الذي بدأ خلقها، والذي أحياها.
 
الحجة الثانية: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأهَا أوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ، الله -تعالى- عالم برفات خلق الإنسان، وعالم ببقايا جسده، وعالم بحبات عظامه إذا كانت ترابا وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ فاحتج عليهم في مبدأ خلقهم وبإعادته، وبأنه -سبحانه وتعالى- بكل خلق عليم

ثم احتج بعد ذلك بحجة ثالثة: وهي قوله:أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وبقول الله -سبحانه وتعالى- كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لما ذكر أنه أحيا الأرض بعد موتها، وبقوله تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا يعني: كانوا يقطعون غصنين من شجرة خضراء، ويحكون أحدهما في الآخر، وتنقدح منه شرار، ويوقدون منها نارا ... أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ." اهـ
من المعلوم أيضا أن إحياء الموتى وإعادة البعث والنشور لجميع المخلوقات أعظم وأكبر من مجرد تكلم النار فالإجابة تكون بسيطة إذ ذاك ، فالذي خلق الإنسان وركبه ووهبه صفة الكلام بعد أن لم تكن فيه بل بعد أن لم يكن شيئا قادر على إعطاء النار الصفة ذاتها فهو على كل شيء قدير وإذا ما نفى أحدنا هذه القدرة على الله يكون بذلك قد نسب له العجز وهذا لا يليق بالله تعالى ثم هذا من علم الغيب الذي لا يستطيع قياسه العلم الحديث ولا الوصول إليه فمن منا رأى النار (جهنم) عيانا أو إلتمس لها سبيلا ؟ لا يفعل هذا عاقل ولزم حينها أننا لن ندركها فضلا على "تحليلها" بأجهزة أو الإحاطة بخصائصها أو غيرها لنعلم صفاتها تفصيليا !! إن خاصيات كوكب الأرض تختلف على خاصيات كوكب الزهرة ولكل كوكب قواعد خاصة نستعملها وأساليب خاصة (الجاذبية-الحرارة ... إلخ) نؤطرها حسب الإحتياجات ، فإن كان هذا الاختلاف طرأ على كواكب وهو مجرد مثال بسيط فكيف ننفيه هذا الإختلاف عن عوالم مختلفة ونحاول قياس الغيب بمنظورنا في الدنيا ؟!
المقطع الثاني: "فأشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير"
نلاحظ في تفسير الشبهة مغالطة غيرت معنى الحديث تماما : "سمح لها الله ان يكون لها نفسان كل سنة, وهذان النفسان يسببان حر الصيف وبرد الشتاء" فحصر الحر والبرد بعمومه في النفسين فقط وكأن الرسول صلى الله عليه نفى أن تكون عوامل حسية تسبب الحر والبرد ومن المعلوم أن هذا الأمر لم يكتشفه العلم الحديث إنما كان معلوم في العصور الغابرة ، فالإنسان يعلم أن الشمس هي مصدر الحر وهي سبب الدفء والسؤال الذي يطرح نفسه : هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة يعلمون أن الشمس هي مصدر للحر أو لا ؟
فكان لزاما عليهم أن يثبتوا الأمر وإذا ثبت الأمر عندنا تأكدنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينفي الأسباب المعروفة للحرارة (وغيابها برودة) إنما كان إخباره عن واقع غيبي وليس كما ظنوا أنه تفسير لظاهرة الفصول !! كما أن الحديث ليس عاما على كل السنة حتى يشمل الفصول فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر نصف السنة فقط والتي تمثلت في الشتاء والصيف وخصص الأمر أكثر بذكره "أشد ما تجدون" أي أنه يتكلم عن أشد الأيام بردا وأشدها حرارة.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى: النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف اهـ
وهذا التخصيص دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفسر الحديث تفسير "علمي" كما يريد أن يوهمنا البعض ليجعل الحديث معارضا للعلم ويبني عليه من بعده أن السنة باطلة !! ومن المعلوم بطبيعة الحال أن المنقول الصحيح لا يتعارض مع المعقول الصحيح إذا اشتركا في فهم سليم خالي من الشوائب. 

وقد قال الله تعالى مبينا النعمة التي أنعمها على أهل الجنة : لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا –الإنسان- فعلمنا أن القرآن يقرر هذه الحقيقة ودون أي خلاف بين العلماء !! و عن المقداد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تدنو الشمس (لشدة الحر) يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل ... فتكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه.  
قال الشيخ محمد بن صالح العثيميين رحمه الله تعالى في تفسير حديث "اشتكت النار":
"فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء ، وتتنفس في الصيف , تتنفس في الصيف ليخف عليها الحرَّ , وفي الشتاء ليخفَّ عليها البرد , وعلى هذا فأشد ما نجد من الحرِّ : يكون من فيح جهنم , وأشد ما يكون من الزمهرير : من زمهرير جهنم .

فإن قال قائل : هذا مشكل حسَب الواقع ؛ لأن من المعروف أن سبب البرودة في الشتاء هو : بُعد الشمس عن مُسامتة الرؤوس , وأنها تتجه إلى الأرض على جانب ، بخلاف الحر .

 
فيقال : هذا سبب حسِّي ، لكن هناك سبب وراء ذلك , وهو السبب الشرعي الذي لا يُدرك إلا بالوحي , ولا مناقضة أن يكون الحرُّ الشديد الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضا يُؤذن للنار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس وكذلك بالنسبة للبرد : الشمس تميل إلى الجنوب , ويكون الجوُّ بارداً بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس , ولا مانع من أنّ الله تعالى يأذن للنار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزمهرير ليبرِّد الجو ، فيجتمع في هذا : السبب الشرعي المُدرَك بالوحي , والسبب الحسِّي ، المُدرَك بالحسِّ ... ولا مانع من أن يجتمع السببان الحسي والشرعي." اهـ

وإن اعترض أحدهم بسؤاله عن الرابط بين النار(كما ذركت في الحديث) والبرد وكيف ينتج عن النار البرد؟ فالجواب أن النار المذكورة هي جهنم كما هو معلوم ، إذا فالحر ناتج من حرها الشديد والبرد ناتج عن زمهريرها والزمهرير هو البرد الشديد في جهنم ، فقد غاب عنهم أن هذا الحديث من الأثار التي استدل بها العلماء في إثبات عذاب الزمهرير في جهنم. 
قول الله تعالى : هذا فليذوقوه حميم وغساق 
قال ابن عباس : الغساق : الزمهرير البارد الذي يحرق من برده
و قال مجاهد : هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده
و قيل : إن الغساق : البارد المنتن
ختاما أود أن أذكر القول القيم المفيد لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:ما عُلم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع ألبتة؛ بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط. وقد تأملتُ ذلك في عامة ما تَنازع الناسُ فيه، فوجدت ما خالف النصوصَ الصحيحة الصريحة شبهاتٍ فاسدةً يُعلَم بالعقل بطلانها

مع تحيات صفحة ؛ الرد الصارخ على الشبهات