نريد تفسيرا يا أهل الإلحاد 1


إن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم لا تخفى على أحد مهما كانت ديانته ومهما كانت توجهاته فهو الذي زكاه الله في قلبه وفي عينيه وفي لسانه وهو أكمل الناس أخلاقا صلوات ربي وسلامه عليه. وهذه الأخلاق الرفيعة الطيبة ستظهر جليّة واضحة لكل شخص قرأ السيرة النبوية وبحث عن الحق وعن الهدى، وسنعرض بعضا من عاداته وتصرفاته حتى نحكّم العقول في الأخير ان كانت هذه الأخلاق ستسول له الكذب على الانس والجان بادعاء النبوة ناهيك عن الله عز وجل.
في هذه السلسلة سنتعرض لعدة مواقف تبين لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ملكا وما طمع في الملك ولم يرد سيادة بل عرضها عليه المشركون ورفضها رفضا قاطعا، مما يدفعنا للتسائل ان لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبي فلم حمل على كتفيه المصاعب الجسام وكابد الأهوال وقارع الخطوب وما استكان وما رضي بالانحناء أمام المشركين ولا الإذعان لهم صلوات ربي وسلامه عليه بل ما كان قوله إلا "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" وما أناخ راحلته صلى الله عليه وسلم إلا وملك الموت يعالج روحه بل تعجب حين تراه يصارع السكرات وهو يوصينا ويذكرنا، وهل يعقل أن يكذب الرجل ويصدق نفسه ؟! أو يدّعي رجل أنه نذير لنا بين يدي عذاب شديد ثم تجده يرتعش من هول ما يدعيه ؟! كلا، فإن من يقول بهذا أبعد ما يكون عن الهدى والمنهج السليم فإن أصحاب الدنيا لهم أهداف غالبا ما تكون واضحة للجميع لا تستحق عميق النظر في طريقهم أما أصحاب الآخرة فهم أبعد ما يكون عن ذلك إذ أنهم جعلوا الدنيا مطية للآخرة وجعلوا منها قنطرة عبور ولم يكترثوا لما فيها ولا لزينتها، بل كانوا محذرين منها راغبين عنها.
إن إدعاء الناس بعدم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم يستلزم أمورا عدة فمن المعلوم أن النفس أمارة بالسوء وأن الذي يشغل نفسه بأمر ما يكون من وراءه مخطط ذكي وربح كثير، ومما يسوله الإنسان لنفسه :
الزنى، الكذب، السرقة، الترف في الدنيا ... إلخ
وغيرها من الأمور التي يدعوا إليها الهوى فإذا كان ادعائهم صادقا فلم لم يتّبع الرسول صلى الله عليه وسلم ما تملي عليه نفسه. اسئلوا أنفسكم لم يضع هذه الآيات ؟
قال الله: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا
فلم يكلف الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بهذا القيام الطويل ؟؟
نصف الليل ؟؟ ثم الآية الأخيرة التي تقول: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
فإن كان الصحابة لم يقدروا على إحصاء الليل فلم يضع هذه الآية التي تدل على أنهم لم يقوموا نصف الليل وتدعوهم إلى مزيد الإجتهاد ؟!
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً ؟!
كذلك بالنسبة لقول الله: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى
وهل يعاتب النبي صلى الله عليه و سلم نفسه؟! فلا شك أن النفس داعية للرفعة والتكبر على الناس، وانّ الرجل الذي يكذب على الله يكذب على نفسه وينزلها غير منزلها، أيعاتب نفسه في كتاب يتلى آناء الليل وأطراف النهار إلى يوم يبعثون ؟!
قال الله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا
فمثل هذه الآيات في القرآن كثير. والرجل إن كان كاذبا يستطيع أن يزيد وينقص في أقواله مثلما يشاء ويبدل ويغير. فلم يذكر هذه الأيات في القرآن إن كانت من تأليفه ؟! إن هذه الآيات تدل دلالة صارخة على أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول قد بلغ هذا القرآن لا مؤلفه !! وحتى تتضح الفكرة أكثر علينا أن نضرب مثالا بسيطا لهذا الموقف لأننا سنتعرض في هذه السلسلة لعدّة مواقف وآيات وأحاديث مماثلة يستوجب منا فهمها جيدا والوقوف عليها بتمعن وتمحيص لفهمها فهما جيدا. إذا وصل لملك رسول في يده رسالة موجود "أن يا أيها الملك استعمل ذلك الرسول في كذا وكذا من الأعمال الشاقّة المتعبة والأعمال الشاقّة التي تبلغ منه مبلغها..." هل يقول عاقل أن ذلك الرسول هو مؤلف تلك الرسالة وهو الذي "وضع الأوامر" لنفسه ؟! لا يستقيم هذا التفكير أبدا ومن هذا المثال قس على أيات القرآن في شأن النبي صلى الله عليه وسلم. إن إنكار نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع المنكر للادعاء أنه "يفرض على نفسه" أمور كان يستطيع أن لا يأمر بها نفسه !! كما لاحظنا في قيام الليل وكذلك بالنسبة للصوم في البيداء الحارقة وصلاة الفجر والناس نيام وصلاة العصر حين تكون الصحراء في أشد حرارتها والزكاة وغيرها من الأعمال في سبيل الإسلام وفي سبيل الفوز بجنة الرضوان. وانظر أيضا لقول الله، والذي يدّعي الملحد أنه قول محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى
وقول الله : وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً
وقوله: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
فلمَ لمْ يطلق العنان لعينيه أينما شاء؟؟ بل ولمَ يفرض الحجاب على النساء ؟! ثم يتلوا هذه الآيات على الناس حينها: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
لم يدرج الرسول هذه الآيات في القرآن أيها الملحدون؟ ألم يكن من الأجدر أن يدعوا إلى أهواء قومه ويكون شرعه مثلما كانت عليه العرب من قبله مجتمعا لا يرى بأسا في الزنى والموبيقات ؟؟ أوليس هذا يستقطب النفوس فيجعلها ذريعة للإيمان به ومن ثم توسيع "ملكه" ؟!
إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم كاذبا (وحــــــــاشاه) فلم يحرم الكذب ؟؟ لم لم يغض الطرف عنه ولا يذكره ؟؟؟ لم لم يكذب الرسول على بشر طيلة أربعين سنة ثم يكذب على الله بعد ذلك ؟؟؟ أهذا ما تقوله عقولكم ؟!!!
إن الملحد لو تصفح القرآن الكريم محكما العقل سيجد تناقضا بين ما كان يعتقده وبين آيات كثيرة في القرآن لكنهم استمسكوا بآيتين أو ثلاث من المتشابهات والتي حكموا فيها حكمهم القاصر وتركوا باقي الكتاب وما فيه من الآيات التي تشرح ما انتهت إليه عقولهم ان شرحوا صدورهم له. أما في السنة ففيها الكثير وسأحاول أن أعرض بعض الآيات والأحاديث لينظر فيها من كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد.
يقول أبو ذر رضي الله عنه :كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرّة المدينة ، فاستقبلَنا أحدٌ ، فقال : ( يا أبا ذر : قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا ، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار ، إلا شيئاً أرصده لدين ، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ، ثم مشى فقال : إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ) . رواه البخاري
كان من دعائه صلى الله عليه وسلم الرسول الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا - وفي رواية – كفافا.
ودخل عليه عمر رضي الله عنه يوماً ، فإذا هو مضطجع على رمالٍِ وحصيٍر ليس بينه وبينه فراش ، وقد أثّر في جنبه ، قال عمر : فرفعت بصري في بيته ، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر ، فقلت : ادع الله فليوسع على أمتك ، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، فقال : (أوَفي شك أنت يا ابن الخطاب ، أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا) ، وكان يقول : (ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها) ، وكان فراشه صلى الله عليه وسلم من الجلد وحشوه من الليف.
وأما طعامه فقد كان يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال ، ثلاثة أهلة ، وما توقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، وإنما هما الأسودان التمر والماء ، وربما ظل يومه يلتوي من شدة الجوع وما يجد من الدَّقل - وهو رديء التمر - ما يملأ به بطنه وقد شكا إليه أصحابه في يوم الأحزاب ما بهم من جوع وقد ربطوا حجرا على بطونهم فإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم رابط حجرين على بطنه الشريف، وما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز برٍّ حتى قبض ، وكان أكثر خبزه من الشعير ، وما أُثر عنه أنه أكل خبزاً مرقّقا أبدا ، ولم يأكل صلى الله عليه وسلم على خِوان - وهو ما يوضع عليه الطعام - حتى مات ، بل إن خادمه أنس رضي الله عنه ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبزٍ ولحم إلا حين يأتيه الضيوف.
قالت عائشة رضي الله عنها :" توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفِّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي ، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ "
أفيقول عاقل أن هذا الرجل يبغي ملكا ؟ وتالله لو طلب مما عند الملوك لأتى به الصحابة رضي الله عنهم يحملونه على عيونهم، بل لكانت غنائم الحروب والصدقات وغيرها مما يتمتع به هو دون سائر المؤمنين لكنه صلى الله عليه وسلم جعل أمام عينيه مواسات الفقير والإنفاق على المحتاج فكان من ذوي الفضل صلى الله عليه وسلم (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). أويقول عاقل أن هذا يبغي النساء؟ وقد حرم الزنا وما تزوج إلا ثيبا إلا عائشة رضي الله عنها؟! أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد ملكا في حين تجده لا يجد مأكلا !!
قال أحد الصحابة: رأيتُ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُصلِّي وفي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كأزِيزِ المِرْجَلْ. أيبكي الرجل هذا البكاء من كذب قاله؟! من خيال ادعاه ؟! أتنطلي الحيلة التي احتالها على الناس ، تنطلي عليه ؟؟؟ ان لم نجد تفسيرا منطقيا معقول فلا بد أن يكون هذا وحيا وأمرا من عند الله عز وجل.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله.
فلم لا يميز الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه عن سائر العباد ؟ ومن المعلوم أن الجهل كان مستفحلا في الأعراب. ولم لا يشرع للمؤمنين عبادة له كأن يشركوه في الدعاء وفي الاستعاذة ؟ لكن تجده يحمر وجهه ويغضب حين يشرك بالله عز وجل وحين يدّعي أحدهم أن القوة لبشر مع الله !! وحين قال أحدهم ما شاء الله وشئت للرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أيّما انكار ونهاه أن يعود لقوله مرة أخرى فقد كان حريصا على حدود التوحيد وعلى نقاوته ولم يرضى بإعلاء شأنه للألوهية رغم أن العديد فعلوا وضلّوا في ذلك وكيف لا وهم الذين عبدوا حجارة لا تنطق ولا تتحرك ؟!
ليت شعري ، أين العقول !!
وصدق الله حين قال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ
هذه بعض الأدلة وسنعرض بإذن الله تعالى عديد الأدلة الأخرى في المقالات القادمة التي تثبت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

مع تحيات صفحة ؛ الرد الصارخ على الشبهات