دعوة للتفكر

ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: تفكروا في آلاء الله و لا تفكروا في ذات الله فتهلكوا.. و في الحديث حث مباشر و أمر بالتدبر في نعم الله و نهي عن البحث و الخوض في ذات الله و ربط الخوض في ذات الله بالهلاك و أي هلاك أكثر من ضلاض العقيدة و الدخول في الكفريات و الشركيات أو الإلحاد
و النهي عن الخوض لا من باب تعطيل الفكر و لكن من باب إحترام العقل
فكيف يبحث في ذات لا تدركها الأبصار؟؟؟
كيف يخوض الناس في جدل عما غاب عن حواسهم المجردة؟؟؟
و من هذا الباب كان النهي عن الخوض في ذات الله بل و تحريم ذلك فأهل السنة يثبتون ما أثبته الله لنفسه في كتابه و ما أثبته
له رسوله المعصوم و ينفون ما نفاه الله عن نفسه في كتابه و ما نفاه عنه رسوله المعصوم

لكن هذا الحديث الذي إستهلينا به كلامنا لنجيب عن أمر هام
إذا كان الإله واجب الوجود إذا حق أن يعبر عن نفسه حتى يدرك الناس هذا الوجود و ينتقلون من مرحلة العيش إلى مرحلة التعبد و الحياة الحقيقة

هنا نقول أن من تفكر في آلاء الله دله على عظم ربه جل في علاه و أن هذا التعبير جاء في شكلين: آيات مسطورة و آيات منظورة

الآيات المسطورة هي كتاب الله القرآن ذاك النبراس من النور الذي حمله إلى المتخبطين في الظلام يخرجهم من الظلمات إلى النور و الكتاب المهيمن و أكبر نعمة إجتبا بها الله هذه الأمة..كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.. و إن المتأمل في كتاب الله يدرك يقينا أن هذا الكتاب موحى من رب العزة سبحانه بما فيه من إعجاز و فصاحة بيان و عظيم أحكام

أما الآيات المنظورة فهذا الكون الفسح و هذا النظام المنضبط و هذا التسخير الحكيم و هذا الجمال البديع و و و
قال تعالى: إِن في خلق السماوات والأرض
واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل
الله من السماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة
وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون


و التفكر في خلق الله و التأمل في هذه النعم الجزيلة كانت من الأسلاف رضي الله عنهم و نضرب مثال لبيان الحال.. قالت أم الدرداء في وصف زوجها أبي الدرداء: كانت أكثر عبادة أبي الدرداء التفكّر...و كان الحسن البصري رحمه الله يقول: عاملنا القلوب بالتفكر فأورثها
التَذَكُرْ، فرجعنا بالتَذَكُرْ على التفكر

وحركنا القلوب بهما، فإذا القلوب لها أسماع وأبصار
و شرحا لقول الحسن البصري رحمه الله
قال (عاملنا القلوب بالتفكر)،
التفكر في آلاء الله، وليس التفكر في الله ولا في ذات الله إنما التفكر في
آلاء الله - عز وجل -، فيما خلق، في آياته التي أعطاها المرسلين، في آياته
المتلوة، القرآن إلى آخره، يعني في المنظورة والمقروءة.
(فأورثها التَذَكُرْ)؛ يعني تَذَكَرْ العبد،
إذا تفكر وخلا بنفسه فإنه سيتذكر؛ لكن تَذَكُرُهُ سيكون ضعيفاً؛ لأنه
بدايات التذكر بعد التفكر.
قال (فرجعنا) -هو يحكي حال السلف الحسن
البصري يقول (عاملنا) يعني السلف يعني طبقة
التابعين-
قال (فرجعنا بالتَذَكُرْ) هذا الذي تذكرناه
وصار في القلب نوع حياة رجعنا به على التَفَكُرْ، تَفَكَّرْنَا من جديد،
نظرنا في الملكوت، في آلاء الله، في تصرف الله عز وجل في خلقه، في آيات
الله في القرآن.
(فرجعنا بالتذكر على التفكر وحركنا القلوب بهما)، يعني
مرة ورا مرة، هذا تذكر بعد تفكر، تذكر بعد تفكر، يبقى العبد في الإيمان.
قال (فإذا القلوب لها أسماع وأبصار)، ينفتح القلب من معارف الله عز وجل
ومن الأُنْسِ به ومن لذة مناجاته ومن إيثار ما عنده على ما في هذه
العاجلة، وعلى إيثار مَحَابِّهِ جل جلاله على أهواء النفس ما لا يدركه
إلا من وفّقه الله

أليس هذا من أجل التعبير لكن أنى لمن أعمى بصره الكبر و الأهواء أن يتأمل؟؟ و أنى لمن غلبه الجهل أن يقرأ؟؟ و أنى لمن غشي سمعه مقال المتكلمين أن ينصت؟؟ و أنى لمن تعود على السوء أن يتذوق؟؟

اللهم لك الحمد على نعم الإسلام و لك الحمد على نعمة القرآن و لك الحمد على نعمة الإيمان... اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك.. اللهم لك الحمد حتى ترضا و لك الحمد إذا رضيت و لك الحمد بعد الرضا